11 - 05 - 2025

وجهة نظري| الجيش الأبيض بلا سلاح

وجهة نظري| الجيش الأبيض بلا سلاح

"الجيش الأبيض" لم يبهرنى كثيرا ذلك اللقب الذى منحه البعض لطاقم الأطباء والتمريض ممن يتصدون لمواجهة فيروس كورونا الشرس.. ليس بالطبع إستهانة بقدر الجهد والتعب الذى تبذله تلك الطواقم.. ولا انتقاصا من حجم التفانى والعطاء والتضحية.. ولا تهوينا من خطورة وشراسة الحرب التي يتصدون لها مع عدو مجهول يتسلل بخبث، ويوجه ضرباته الموجعة التي تصيب الضعفاء في مقتل.

لكن ما دفعنى لعدم التعاطف مع مصطلح الجيش الأبيض، إحساسى بأن هؤلاء الذين يقفون في الصفوف الأولى لمواجهة كورونا يتصدون له بصدور عارية.. يعملون لساعات طويلة تزيد من خطورة تعرضهم للإصابة، دون أن تتوفر لهم في الغالب الحدود الدنيا اللازمة للحماية والوقاية والسلامة من العدوى.

يتساقط ملائكة الرحمة بلا رحمة واحدا تلو الآخر.. فيزداد شعورنا ليس فقط بالخطر، وإنما بالغضب من حجم الإهمال الذى تعامل المسئولون به مع خط الدفاع الأول في معركة القرن.

من يوم لآخر تتداعى تفاصيل محزنة، عن أطباء فقدوا حياتهم وعائلات أصيبت بالعدوى، ومصير مجهول ينتظر أسرهم بعدما فقدوا العائل والسند، ومازال مصير بقية أفرادها لا تعرف إذا ماكانت ستنجو من الموت، أم تكون أقرب لتدوين إسمها في سجلات الراحلين.

ربما لا تختلف تلك التفاصيل عن حال أي أسرة استهدفها الفيروس، وراح أحد أفرادها ضحية له.. لكن الكارثة أن تترك لمن أطلقت عليه "الجيش الأبيض" الساحة ليواجه حربه الخطرة بلا سلاح.. فكم من المستشفيات تتوفر فيها الكمامات والقفازات وغيرها من أدواة الحماية والتعقيم؟ كم من الأطباء والممرضات والعاملين تتوفر لهم أدنى مقومات الحماية والوقاية من العدوى، وماذا عن الحالات المشتبه في إصابتها؟ هل يتم إجراء مسحات وتحاليل سريعة للتأكد من عدم إصابتها، أم أننا نترك الأمر للصدفة.. ويتم تجاهل الأمر وإهمال متابعة الحالة فيتساقط واحد وراء آخر من جيشنا الأبيض، ويتحول من خط دفاع على أحد ضحايا الفيروس.

للأسف ما تتعرض له طواقمنا الطبية أكبر دليل على تهاون الدولة في تعاملها مع كارثية فيروس القرن، فردود الفعل التي تأتى في الغالب متأخرة لتسمح للفيروس أن يسبقها بخطوات.. وعدم توفير سبل وأدوات الحماية لتلك الطواقم.. والتقاعس في إجراء المسحات لهم ولذويهم المخالطين، تجعل من تلك الحرب التي يواجهها الأطباء ليست فقط غير متكافئة مع شراسة وخبث العدو، وإنما أقرب للإنتحار أو بمعنى أدق "الاستنحار" إذا جاز التعبير، فكيف لجيش أعزل أن يكسب الحرب؟ وكيف لخط دفاع أن يقف بصدر عار دون حماية؟.

من غير المنطقى أن نقبل تلك المبررات الواهية، التي يتبرع بها البعض من أصحاب المصالح والهوى، بأن تعرض الطواقم الطبية للعدوى أمر طبيعي ووارد، فهو بالفعل كذلك، لكن من غير الطبيعى ألا توفر الحد الأدنى من الوقاية والأمان والحماية لهؤلاء الأطباء، ثم تقف عاجزا مبررا متخاذلا مفتقدا لأدنى درجات تحمل المسؤولية والاعتراف بالخطأ.

كيف لحكومة أن تراهن على وعى الشعب، بينما هي تفتقده.. فأولى درجات الوعى أن تحمى خط دفاعك الأول وتوفر له إجراءات السلامة من العدوى، أن تسرع في اكتشاف حالاته التي تعرضت للإصابة وتهرع إلى عزلهم وإجراء المسحات لمخالطيهم.. لكن أن تهمل وتتجاهل وتتقاعس في تقديم تلك الحماية، ولا تكف في نفس الوقت عن ادعاء المساندة والدعم والتشجيع لطواقمك الطبية، فهو التناقض بعينه.

صحيح أننا تعودنا على تلك التناقضات التي تبهرنا بها كثيرا حكومتنا الرشيدة.. لكن التناقض في تلك الظروف وفى ظل تلك الحرب الشرسة يبدو أكثر فجاجة، فرحمة بمن تعتبرونه جيشا، فالجيش لا ينتصر أبدا من غير دعم وسلاح.
----------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

قانون الإيجار القديم .. لغم لا يحمد عقباه